الشجرة
مخلوق شريف لا تضرّ غيرها من الأحياء ، وليست عالة عليهم , فغذاؤها من
الجماد ، وفوق ذلك هي التي تعول الأحياء في طعامهم وطاقتهم التي تأخذها من
الشمس , وليست تتحرّك ولا تفترس ولا تخرّب ، بل تقدّم الأكسجين والدفء
والمأوى والظلال والدواء والطعام لغيرها من الأحياء.
" هي أمهم الكبرى " تفيدهم حتى بعد أن تموت , وتبقى رائحتها طيبة حتى بعد
موتها , تعلّم منها الثبات في الأرض والوطن ، وتعلّم الهدوء والعطاء
والبقاء حتى في أقسى الظروف ، فلا هي تغادر مكانها بل تتأقلم مع البيئة
التي تنبت فيها ولا تهاجر , وتسخّر طاقاتها المحدودة حينئذ بإخراج الثمرة
التي تحمل البذور ، فيأكلها الإنسان أو الحيوان جزاء نقله البذور." وكم
رأيت ثمرة معلقة على غصن أجرد "
ومن ناحية أخرى ، فالشجرة لا تهاجم بل تقاوم وتحني رأسها للريح حتى تمر ولا
تعاندها ، ثم تعود لوضعها السابق , ورغم ذلك تموت واقفة , ومجهودها في
حياتها موجّه لغاياتها فقط وهي " البقاء و العطاء "
ويؤذيها الأحياء من إنسان وحيوان و تقاوم بالصبر والانتشار ، والشجرة تقدم
الجمال والغذاء (الجمال مثل الوردة) (والغذاء مثل التمر) جزاء نقل بذورها
لكي تنتشر لتعطيهم من جديد .
وبسبب كل تلك الصفات ، صار وجودها هو الأهم للحياة من وجود غيرها ، وصار النبات
من أكثر سكان الأرض عدداً وأحسنهم أخلاقاً وأكثرهم عطاءً .بلا شك أن ما
قدمت لنا الشجرة أفضل مما نعطيها ، هذا الكرم وهذه السجايا من سمات الإنسان
الخيِّر الذي يشبه الشجرة , الشجرة لا تتألم ولا تشتكي , والذي يريد الحب
فليكن مثل الشجرة , والشجرة تستفيد وتفيد من أسوأ ما عند الأحياء وهو
السماد ، وهو بقاياهم وجثثهم , فهم يعطون الشجرة أسوأ إنتاجهم ، وتعطيهم
أحسن ما لديها , وإذا قُلّمت الشجرة تزيد أغصانها وتقوى جذوعها وتزداد قوة
أكثر من قبل ، وتُوْرِق أكثر , وتُخْرِج البراعم من غير الأماكن التي قطعت
منها , فهي لا تعرف اليأس أبداً .